وزائرتـــي كــأنَّ بهــا حـــياءً…فليــس تــزورُ إلّا في الظّلامِ


فرشتُ لها المَطارِف والحشايا…فــعافتْها، وباتَتْ في عِظامِي


يضيق الجلد عن نفسي وعنها…فتـــوسعــُهُ بأنــواعِ السقّــام


كأن الصــبح يطردها فتجري…مــدامعــها بأربعـــةٍ سجــامِ


توجّه أبو الطيب المتنبي إلى أرض مصر خارجًا من بلاد الشام بعد أن وشى به الحاسدون عند سيف الدولة الحمداني أمير دمشق والذي كان على علاقة وثيقة به، وفي مصر…أصيب المتنبي بالحمى، حتى إذا اشتدت عليه، كتب يصفها في قصيدته المعروفة (وصف الحمى).


لمّا كانت الحمى تشتد عليه بالليل شبهها بالزائرة أو الفتاة الخجولة التي تزوره كل يوم ليلًا مخافة أن يراها النّاس، وقد فرش وجهز لها المطارف وهي جمع مطرف أي رداء أو ثوب من الحرير على جنبيه خطيّن حُمُر، والحشايا وهي الفراش المحشو، حتى تجلس عليها بارتياح، كمن يستقبل ضيفًا فيجهز غرفة الإستقبال لتبدو على أفضل حال، لكنها رفضت كل ذلك وأبت إلا النزول في عظامه، وفي ذلك كناية عن شدة المرض الذي حل به.


يروي الشاعر كيف أن جسده قد ضاق بالحمى عندما أصرت على ان تحل فيه، فضاق جلده بالإثنين: المتنبي والحمى، فراحت الحمى توسع جلده فتزيد من الأمراض والآلام، وتستمر الحمى في آلامها كلما حل الليل فإذا جاء الصباح انجلت واختفت، ويشبه الشاعر الصبح بالإنسان الذي يأتي فيطرد الحمى، لتجري هاربة يعز عليها فراق جسده المتعب فتنهمرعيناها دمعًا سخيًا، والسجام هو الدمع المنهمر، وفي ذلك كناية عن العرق الشديد الذي يتصبب من الجسد بسبب الحمى.