اتركي طفلك يسبح بخياله
في دراسة عن الخيال عند الأطفال للدكتورة مرهان حسين الحلواني أستاذ إعلام طفولة بمعهد دراسات الطفولة بجامعة عين شمس المصرية ذكرت فيها إن المهارات الاجتماعية التي يمكن إكسابها لأطفال ما قبل المدرسة نتيجة لانجذابهم في هذه المرحلة العمرية إلى التليفزيون بصورة كبيرة.


ولذلك كان لزاما على القائمين على هذه الوسيلة استغلال ذلك واستخدامها الاستخدام الأمثل لتحقيق النمو المهاري السليم من خلال التخطيط المبتكر والدقيق للبرامج الموجهة وكانت المشكلة التي تعرضت لها الباحثة أن الطفل لا يجد نمطا ثقافيا يعتبر رمزا يلتف حوله‏، وذلك عندما تتضارب أساليب التربية والتثقيف تبعا لاختلاف المعتقدات والميول عند الوالدين‏,، وان للخبرات الإسلامية دورا مهما في اكتساب أطفال المهارات الاجتماعية والتفاعل الاجتماعي وحل المشكلات أما الهدف من دراستها فكانت د‏.‏ مرهان تسعي نحو تحقيق مجموعة من الأهداف منها‏:‏
‏}‏ التعرف على نوعية المهارات الاجتماعية في برامج الأطفال التليفزيونية ومدي مناسبتها‏.‏
‏}‏ التعرف على نسب البطولة في القصص‏، ودراسة مدى تواهن هذه النسب مع سمات مجتمعنا‏.‏
وقد أسفرت دراستها على أن المساحة الزمنية الكلية للعينة الدراسية علي القنوات الثلاث أهملت العديد من المهارات الاجتماعية المرغوب فيها والضرورية لإعداد الطفل للحياة المستقبلية واكتسابه لمهارات التفاعل والتعامل الاجتماعي السوي في عمر مبكر‏.‏


والمهارات الاجتماعية المرغوب فيها والتي عكستها برامج أطفال التليفزيون المصري في الدراسة بلغت في مجملها‏ 295‏ مشهدا وبمساحة زمنية قدرها‏ 39‏ ق و‏3‏ ث‏.‏


أما المهارات الاجتماعية غير المرغوب فيها والتي عكستها برامج أطفال التليفزيون وأن التوازن من حيث نوع التعليم غير موجود وأن القائم بالاتصال أغفل إغفالا يكاد يكون تاما وظيفة الشرح والتفسير وأن اللغة الإنجليزية واللغة للدارجة قد سيطرتا على اللغة في فقرات البرامج محل الدراسة‏..‏ وأن الإطار الخيالي الذي احتل مساحة كبيرة على القنوات الثلاث محل الدراسة‏!!‏ وهذا إن دل على شيء فإنه يدل على مدى إدراك القائم بالاتصال بأن الخيال في المواد المقدمة في برامج الأطفال ضروري‏..‏


وفي النهاية فإن الخيال في المواد المقدمة في برامج الأطفال ضروري لما له من إيجابيات تجعل منه ضرورة لازمة للطفل خاصة في السنوات المبكرة من عمره، فالخيال يوسع من ذهن الطفل‏، وإذا ما تركناه دون محاولة منا لكي يتفتح فلن يستطيع أن يستوعب الكثير فإذا اتسع عقل الطفل‏، وكثرت المدركات أصبح من الأمور اليسيرة علينا أن نجد فراغا يملأ بالمعرفة والعلم‏.


نحو تنشيط خيال الطفل وصقل الملكات الإبداعية
يرى عدد من أساتذة التربية وعلم نفس الطفل في جامعة لاسابينسا (المعرفة) في روما ان ثمة علاقة إيجابية بين ثقافة الطفل وقدرته على الإبداع, وأن تلك الثقافة لا تفيد في تكوين هويته وشخصيته فحسب, بل تتعداه الى جعله مبدعاً.


ويوصي هؤلاء الاساتذه في آخـر تقريـر لهم نشرته مجلة “صحة” التي تصدرها صحيفة “لا ريبوبليكا” (الجمهورية) كملحق أسبوعي, بضرورة التخلي نهائياً عن نظام مد الطفل بثقافة الذاكرة (الحفظ والتلقين) والاهتمام بمتابعة مواهبه وصقل الملكات الإبداعية لديه باعتبارها أساساً للتكوين المعرفي في حياته المستقبلية… “فالاعتماد على الممارسة العملية والميدانية , تتيح للأطفال القدرة على النسج من خيالهم, ذلك لان الطفل يمتلك موهبة الخلق والتعبير وعلى العائلة والمدرسة دعم وتشجيع مهاراته من دون قهر او إجبار”.


ويوصي التربويون الإيطاليون ايضاً بالابتعاد عن تأنيب الأطفال ولومهم على إبداعاتهم الخاطئة, وبعدم تعرضهم للحماية المبالغ فيها, او الإسراف في التدليـل, والتعـامل مع أسئلة وخيال الأطفال باحترام, وإظهار الاهتمام المباشر بما يقدمونه ويطرحونه ويتساءلون حوله, لأجل تنمية إحساسهم بالتذوق الجمـالي مـن خـلال توجيـه انتباههم الى كل ما هو رائع ومنسق ومنتظم داخل البيت او في دار الحضانة والمدرسة والشارع او في موقع اللعب والطبيعة”.



وتقول البرفسورة المربية آنا جوزبينا ماتيولي من معهد الدراسات التربوية في جامعة لاسابينسا في روما حول ظاهرتي التسلط والإبداع في حياة الطفل: “من الأهمية بمكان معرفة مفاعيل التسلط على مختلف مستوياته, فهو يطفئ الرغبة التي تتعاظم يوماً بعد آخر في التعبير عند الاطفال, بل انه قادر في كثير من الحالات ان يلغيها ويدمرها ليسير الطفل في مراحل متقدمة من عمره في مسارات تتسم بالمرضية, كما انها تخلق عنده إحباط روح الاستقلال والتمكن في معرفة العالم الذي حوله”.


وتضيف: “الطفل لا يعنيه المغزى او المعنى من الوجود بقدر ما تعنيه تلك العلاقة المادية بينه وبين العالم الخارجي في درجات توازنها مع جسده وحواسه, لان الطفل في حالة ذهنية تتميز بعدم القدرة على إدراك الفارق بين الواقع والخيال, او بين الذات والموضوع, كما انه عاجز عن التمييز بين ذاته والأشياء التي تحيطه, فالمكان والزمن والسبب كلها أمور بعيدة عن فهم الطفل وإدراكه بخاصة في مراحله المبكرة, كما ان التقدير الأخلاقي للسلوك لا يولد مع الطفل, وهو بالتالي لا يستطيع إدراك القيم الأخلاقية المتعارف عليها بيننا كالكذب والصدق والأمانة والسرقة.. الخ فالطفل وهو ينتقل من سن الى سن, لا يستطيع أفراد عائلته إدراك ووعي مراحل الانتقال, يعني إدراك الحاجات الجديدة التي تولد بفعل النمو, وحين يجد عدم تجاوب, يقود نفسه نحو الانعزال وتخمد حالة الإبداع عنده شيئاً فشيئاً”.


وتلح ماتيولي على “اعتبار السنوات المبكرة في حياة أي منا هي الأكثر حراجة, ففيها تبدأ عملية تشكيل المراحل الأساسية للجهاز النفسي, وتتضح عناصر التفكير وتكتسب الشخصية قوامها وانسجامها, والعائلة والمدرسة والبيئة تلعب دوراً كبيراً لا يمكن تعويضه في مراحل لاحقة من حياة الطفل وهو يدخل في علاقة مباشرة لمعرفة العالم”.


وعن المشكلات التي تحول دون تقدم الإبـداع عند بعض الأطفال, توضح مايتولي: “الإبداع كما هو عند الكبار مرتبط بعوامل ومؤثرات كثيرة ومتباينة, فإنه أيضاً مرتبط لدى الصغار بالعوامل نفسها. المشكلة هي موقفنا ككبار مع هموم ورغبات وقدرات وإمكانات الأطفال, فبعضنا يتجاهلها والبعض الآخر لا يفهمها, وآخر يقمعها وهكذا. التعرف على إبداعات الأطفال من قبل الشعوب المختلفة ومن قبل الآباء والأمهات والمدرسة والتلفزيون, يلعب دوراً مصيرياً في تنمية قدرات الطفل الإبداعية على النحو الذي يجعلها نقاط انطلاق لبناء شخصيته القادرة على إبداع الحياة في صورها المتطورة بشكل دائم.

ومن اجل تحقيق التفاعل الثقافي والحضاري يتحتم تشجيع وجود خليط من أطفال من بلدان عربية ومن بلدان أمريكا اللاتينية وأفريقيا وبلدان شرق أوروبا, يكون قادراً على جعل مثل هذه التجمعات ميادين رحبة قابلة لأن تكون ركيزة أولى للإبداع الذي هو سمة الحضارات العظيمة, وهذا ما يتحقق في العديد من مدننا الإيطالية من خلال وجود المهاجرين من مختلف الجنسيات والانتماءات الحضارية, اذ أصبح العديد من دور الحضانة والمدارس الابتدائية في العديد من المدن الإيطالية بمثابة ورش إبداعية للمعرفة بكل تنوعاتها التشكيلية والموسيقية والمسرحية. فمن اجل إشاعة الروح الإبداعية يمكن تجاوز العديد من أخطاء التنشئة التربوية المنزلية والمدرسة, فالأغنية السيئة التي يستمع اليها الطفل او المشهد التلفزيوني السيئ يصعب محوهما, وعلينا ان ندرك ان ملكة الخيال عند صغارنا تفوق تصوراتنا وعلينا تغذيتها, فالطفولة اينما كانت لا يمكن لها ان تزدهر وتتطور إبداعياً خارج فضاءاتها التربوية السليمة”.


وعن تفسيرها لمقولة “أطفال الأمس المبدعون هم أغبياء اليوم الراشدون” تقول: “المجتمع هو الذي يتحمل المسؤولية التربوية, فضياع المواهب المبدعة تتحملها عملية التربية المتعاقبة التي تجبر الفرد على قبول مفاهيم وتصورات وآراء اجتماعية تقف كمعادل مضاد للإبداع, فالتخلف له آليات قسرية تنبع من خلال التنشئة والتربية والإعلام وسلطة العائلة والمدرسة التي تشترك جميعها كحلقة تخلف بإخماد جذوة الإبداع. ومن المؤكد عدم وجود مستحيل أمام قدرة الإنسان الفاعلة وهذا يتطلب جهداً خارقاً لترسيخ القيم الإبداعية أمام حالة الجهل والتخلف التي تعتبر في كثير من الحالات, مسلمات أساسية في عملية البناء.


وحول تأثير وسائل الإعلام والكومبيوتر على الأطفال, تقول: “كل الدراسات تشير الى ان أطفال اليوم وهم يمرون بمراحل نمو ذهني واجتماعي تتسم بالحرج, يمضون ثلاثة أضعاف الوقت الذي يقرأون فيه او يقرأ لهم خلاله, أمام التلفزيون والفيديو وأجهزة الكومبيوتر. وأعتقد ان وسائل الإعلام الإلكترونية تساعد الى حد بعيد في نضوج الطفل من خلال التأثير على مهاراته وتشذيبها بشرط التيقن والحذر والمراقبة”.