كيف تكون المراهقة راشدة؟
قال خبير التنمية البشرية والتطوير د. أكرم رضا: إن المراهق ترسَّخ في ذهنه منذ الطفولة قيمة العفاف والطهارة؛ لأنه يعيش في أسرةٍ عفيفة، لكنه يصطدم بالمجتمع وما يشاهده من مشاهد في التلفزيون والفيديو كليب والإنترنت فضلا عن أصدقاء السوء، مشيرا إلى أن ذلك يحدث داخله صراع العلاقة مع الله والنفاق الاجتماعي الذي يراه في الآخرين؛ مما يسبِّب عنده مشكلات نفسية، وفي الحوار التالي يشرح الدكتور أكرم رضا كيفية التعامل مع المراهق لكي تكون مراهقته راشدة..فإلى تفاصيل الحوار:

ما مفهوم المراهقة؟
المراهقة كاصطلاح حديث عمره 200 عام لم يوجد قبل ذلك، وأول مَن كتَبَ عنه طبيبٌ نفساني أمريكيٌّ يُدعى جورج ستالي هول، كان طبيبًا نفسيًّا، وكان في حقبة الحروب الأمريكية، فكثر عنده الشباب في عيادته النفسية في هذه السن، فدرس أحوالَهم وحياتَهم، فوجد أنهم يشتركون في مجموعات وعناصر متشابهة، وبعد الدراسة أخرج كتابًا من مجلَّدَين يُسمَّى (المراهقة)، فالمراهقة معناها اللغوي هو الخروج أو الاقتراب.

متى تبدأ هذه المرحلة؟
المراهقة في تراثنا الإسلامي مرحلة ليست مرحلةً عمريةً محددة لأن عندنا مرحلة ما قبل البلوغ ومرحلة ما بعد البلوغ، أو ما يُسمَّى بسن التكليف، والمراهقة كمرحلةٍ سنيةٍ سموها مرحلة السنوات العشر، أي فترة الاقتراب من النضج وفترة التعب والجهد؛ وذلك لقوله - سبحانه وتعالى -: ﴿ لَا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ وَلَا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْرًا ﴾ [الكهف: 73] وأيضًا لقوله: ﴿ وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا ﴾ [الجن: 6] وذلك لأنها مرحلة تدريبية على النضج؛ لذلك سميت مرحلة السنوات العشر وزمنها النسبي من حوالي 12 إلى 22 سنة.

ما أهم ملامح التغيير على الشباب والفتيات؟
أهم سمة في مرحلة المراهقة عدم تقدير المراهق لقدراته الشخصية، فيختلف تقديره وتقدير المجتمع من حوله، فتحدث مشكلة المراهق؛ إذ يرى نفسه ناضجًا أو كبيرًا، ويتصرف تصرفات الكبار، لكنَّ قدراته وإمكاناته لا تسمح له بذلك، والكبار يرون أنه صغيرٌ، ويعاملونه على أنه طفل، فتحدث مشكلة صراع الأجيال، وفي هذه الحالة لا بد أن نعامله نفسيًّا على أنه كبير، ولا نكلفه عمليًّا بتكليفاتِ الكبار، كذلك من أهم السمات التي رصدها العلماء لصفات المراهقة ومنهم الباحث "ستالي هول": العناد، ومقاومة السلطة، والاهتمام بالناحية الجنسية، والرغبة في التفرد، والانعزال، ووصفوها بأنها مرحلة العاصفة، ومرحلة الجنون، ومرحلة المتناقضات، وكل هذه المظاهر لها أسباب لو فُهِمَت جيدًا فسنخرج منها، واستنتجوا أنَّ جميع المراهقين مرضى يحتاجون إلى المعالجة الطبية والنفسية، ونفس النتيجة توصلت إليها مجموعة (روزن) عندما بدأت تدرس المراهقة، وكذلك (دارون) وذلك لأنهم درسوا مرضى المراهقين في عياداتهم.

إثبات الذات:
كيف نُعطي للمراهق حقَّ إثبات الذات؟
يحدث تداخل مهم في تفكير الكبار، عبارة عن خلطٍ بين سلوكيات المراهق، تعبر عن سُوء أدب وسلوكيات المراهق التي تعتبر ناتج النمو، فالكبير دائمًا يبرر تصرفات المراهق على أنها سوء أدب، فلا بدَّ أن نُفرِّق بين السلوكيات التي تعتبر سُوءَ أدب وبين ما يرتبط بطبيعة المرحلة؛ لأنَّ في هذه المرحلة تحدث تغييرات فسيولوجية نتيجة البلوغ، بل يحدث انقلاب داخل الجسم؛ لأنه يصاحب ذلك ضخ أنواع جديدة من الهرمونات داخل الدم، فهذه الهرمونات تُؤثر كثيرًا في سلوكيات المراهق، بالإضافة لعدم الخبرة كإنسانٍ يعيش ومطلوب منه مجموعة من الواجبات، وهو لا يدري كيف يفعلها، فوظيفة الأسرة والمجتمع في هذه المرحلة تنحصر في تدريب المراهق على واجباته، وتُعطي له شعورًا داخله بأنه كبير، والمفروض أن تعامله على أساس ذلك؛ حتى نُعطي له الثقة بالنفس.

عدم الثقة:
ما أهم المشكلات التي تحدث خلال هذه المرحلة؟ وكيف نتغلب عليها؟
عدم الثقة بالمجتمع؛ حيث إنَّ المراهق ترسَّخ في ذهنه منذ الطفولة قيمة العفاف والطهارة؛ لأنه يعيش في أسرةٍ عفيفة، لكنه يصطدم بالمجتمع وما يشاهده من تلفزيون وفيديو كليب وإنترنت وأصدقاء سُوء، وأكثر من ذلك.. فيحدث داخله صراع العلاقة مع الله والنفاق الاجتماعي الذي يراه في الآخرين؛ ما يسبِّب عنده مشكلات نفسية، بالإضافة إلى مشكلة التعثر الدراسي لديه، والسبب في عدم تدارك رغباته وطموحاته مع الوالدين، ومع ما يعطيه له المنهج الدراسي؛ لأننا وصلنا إلى مستويات عالية في النواحي النفسية والشخصية، وهنا نتساءل: لماذا لا يكون التعليم على اختبارات وقدرات المراهق، ويوجَّه الطالب إلى الدراسة التي يميل إليها حتى لا يحدث ذلك التعثر؟! كذلك لماذا لا نتركه يأخذ خبرةً اجتماعيةً من الآخرين ويحقق أهدافه كي ننمِّيَ إبداعه؟!

كل هذه الأمور نحتاجها كمجتمع حتى لا نصرخ ونقول "احذروا عاصفة المراهقة"، كذلك من أهم المشكلات في هذه المرحلة مشكلة عدم التفاهم مع الكبار حيث إنَّ وجود حاجز نفسي بين الوالدين من أسباب عدم تفهم كل منهم؛ لأن الكبار يُعاملون المراهق على أنه طفل، وإذا عاملوه على أنه كبير يكون من منطلق الاختبار أو التعجيز؛ لذلك يجب على الأسرة أن تُعطي للمراهق عملاً وتُساعده على النجاح.

الصداقه:
لماذا افتقدنا الصداقة بين الأسرة والمراهقين؟ وكيف نعيدها؟
لأننا افتقدنا الحوار بينهما، ولكي نعيد الصداقة لا بد من الحوار والصبر؛ لأن ذلك من أنواع الصغائر، قد تكون صغائر المراهق عظائم بالنسبة له، وبالتالي فالمراهق له حق التجربة، وعلى الكبير أن يعطيَه هذا الحقَّ ويتابعه ويعطي له وسائل الحماية.

ما دور الأسرة في حل المشكلات العاطفية التي يتعرَّض لها المراهقون؟
لا بدَّ للأسرة أن تقابل المشكلات العاطفية بالنسبة للمراهق من منطلق المناقشة، وليس من منطلق الانفجار، وهذه المناقشة تتم من عدة منطلقات كوسيلة للإقناع، من حيث المنطلق الاجتماعي والديني والأعراف، على أن يتم عرض الأمور على المراهق ببساطة، ونناقشه فيها لنبينَ له أصل الموضوع، ومن خلال المناقشة نُعطي له حقَّ الحوار، ونعرِّفُه مثلاً ما هو الحب والزواج في ظل المحافظة على الدين والحياء والخجل؛ لأن المراهق أو المراهقة إن لم يأخذ المعلومات من البيت سَهُلَ أخْذُها من الخارج.

وما المشكلات النفسية التي يتعرَّض لها المراهقون، وكيفية التغلب عليها؟
من أكثر المشكلات النفسية عدم الثقة بالنفس والقلق والاكتئاب والتوتر لأن هذه المرحلة تُشبه مرحلة الطفل حديث الولادة، ولأن الطفل يولد من جديد ونفس احتياجاته قريبة من احتياجات المراهق، لكن الفرق أنَّ الطفل عنده استعداد لتلقي هذه الاحتياجات، أما المراهق فرافض لأنه مستشعر داخله أنه كبيرٌ، فوظيفة الكبار مع المراهقين في هذه الحالة أن يُعطوا له المساعدة من دون أن يشعر، بالإضافة إلى الحوار الهادف وعدم تعجيزه، وتترك الأسرة الابن أو الابنة يعملان عملاً ناجحًا مع تقديرهما والرفع من شأنهما.

هل للأسرة والجامعة والإعلام والمجتمع دور في تعديل سلوك المراهق، سواء بالإيجاب أو السلب؟
نعم بالطبع لأن المراهق يأخذ القيم الأساسية من الوالدين والمسجد والمدرسة والإعلام، لكن للأسف كل هذه الجهات تخلَّت عن دورها، وسلَّمت المراهق للإعلام.

إهتمامات:
ما أهم الاهتمامات والهوايات التي يهتم بها المراهق في هذه الفترة؟ وهل تقتصر فقط على ثقافة الجسد والمظهر؟
المراهق ابن مجتمعه، والمجتمع هو الذي يُوسِّعُ فجوةَ المراهقة ويضيِّقُها، ولو نظرنا إلى مجتمعات متعددة- وليكن المجتمع الريفي- نجد المراهق في هذا السن إذا كان فلاحًا يزرع ويعمل، وبالتالي تخلَّص من البطالة الاقتصادية التي تتيح له التخلص من البطالة الجنسية؛ لأن المراهق له قدرتان.. الكسب والجنس، والمجتمع يعتبر حاجزًا لهاتين القدرتين؛ لأنه لم يعد عنده إمكانات أن يشغِّل المراهق أو يُزوِّجه.

ولذلك فمجتمعنا الإسلامي حثَّ على زواج المراهقين في موقف سيدنا عمر بن عبدالعزيز، الذي وزَّع من أموال الصدقات على زواج المراهقين، كما وجَّه الأمر لنا المولى- سبحانه وتعالى - بقوله: ﴿ وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ ﴾ [النور: 32]، وإذا كان الفقر مشكلةَ الزواج فقد حلَّها المولى- سبحانه - بقوله: ﴿ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ ﴾ [النور: 32].

وأخطار هذه المرحلة ظهرت في انتشار ظاهرة الزواج العرفي للشباب لأن فيه نوعًا من البطالة الجنسية للشباب؛ لأن لديه القدرة على الزواج ولم يتزوج، وفي الجانب الآخر المجتمع يشتعل بنار الفتن والكليب؛ ما يُحدِث الانفجارَ الجنسيَّ الذي يحدث اليوم، والذي ذكَرَتهُ إحدى المفكرات الفرنسيات في الستينات بقولها: إذا استمرَّت الفتيات في رفع الملابس سيزداد قلب أوروبا في الانفجار.. كما أنَّ المجتمع يُربي المراهق تربيةً غير صحيحة؛ لذلك لا بد أن يرشد المجتمعُ المراهقَ حتى يصل إلى رشده؛ لأننا إذا أردنا مراهقًا راشدًا لا بد أن نوجِدَ مجتمعًا راشدًا؛ لأن المراهق ابن مجتمعه.

وأخيرًا.. ما النصائح والإرشادات التي توجِّهها للأسرة لمواجهة هذه المرحلة الخطيرة؟
أقول للأسرة:
احبوا أبناءكم.
إياكم وعقابه على الذي اعترف به.
المصارحة.
أشركوهم في اهتماماتكم وساعدوهم على النجاح.
إياكم والخجل من تطورات المرحلة الجنسية.
في بداية المرحلة تذكروا كيف كانوا يتعلمون المشي.
أعطوهم حقهم في التجربة وساعدوهم على النجاح.