فقدان الأسنان مرتبط بضعفها المضغ يعزز الذاكرة




اعتقد العلماء لوقت طويل أن الذكريات لا تتغير كونها تخزن في الدماغ بمجرد تكونها، إلا أن هذه النظرية تغيرت تماماً في السنوات الأخيرة، إذ يعتقد رواد أبحاث الذاكرة أن آلية عمل الدماغ تختلف كثيراً عما اعتقد من قبل، وأن الذكريات عبارة عن أشياء سائبة غير متماسكة يطالها التغيير عند كل استرجاع لها، فعند استرجاع ذكريات طويلة الأمد تصبح صالحة للاستبدال بشكل مؤقت، وتمر بعملية إعادة بناء يطلق عليها الاختصاصيون “إعادة الدمج” التي تفترض أن الذكريات بما فيها السيئة، يمكن أن تتغير في مرحلة من المراحل تتعرض فيها للتقلب وعدم الاستقرار .


أكدت دراسات حديثة هذه الفكرة، ونشر باحثون من جامعة “أوبسالا” في السويد دراسة أكدوا فيها أن الذاكرة المتعلقة بالخوف يمكن إضعافها أو تحييدها إذا عطلت عملية “إعادة الدمج” قبل تماسك الذاكرة وترسخ الذكريات فيها .


وذكرت دراسة أخرى أجراها علماء من جامعة “سانت آندروز” في اسكتلندا أنه حتى إن لم تمح ذكريات التجربة السيئة من الذاكرة فيمكن إضعاف ما تسببه من ألم ومعاناة لصاحبها، وآخر دليل على إمكانية التلاعب بالذاكرة أوردته دراسة نشرتها مؤخراً صحيفة “وقائع الأكاديمية الوطنية للعلوم” التي ذكرت أنه ومن دون استخدام العقاقير أو الصدمات الكهربية أو أي تدخل خارجي، تمكن جيسون تشان، وجيسيكا لاباجليا من جامعة ولاية أيوا، من التلاعب بذاكرة المشاركين في تجاربهم المعملية .


طلب العالمان من المشاركين مشاهدة مسلسل درامي كلاسيكي يعرف ب “24”، وعرض أحد المشاهد المؤثرة أحد الإرهابيين على طائرة يتعارك مع إحدى المضيفات محاولاً إفقادها الوعي باستخدام إبرة، وبعد فترة وجيزة، قدم لبعض المشاركين أسئلة حول ما شاهدوه بهدف استرجاع ذكرياتهم حول المشهد .


وعندما بدأت عملية “إعادة الدمج” طلب إليهم الاستماع إلى ملخص صوتي للبرنامج، أخبروا من خلاله أن الإرهابي استخدم مسدساً وليس إبرة، وعندما اخضعوا للاختبار مرة أخرى، أكد 17 في المئة من إحدى المجموعات المشاركة في الدراسة أن الإرهابي استخدم إبرة وليس مسدساً، بينما ذكر 42 في المئة من مجموعة ثانية استمعوا إلى الملخص الصوتي نفسه، حددوا السلاح المستخدم بشكل صحيح عندما اخضعوا لنفس الاختبار . وقد استمعت هذه المجموعة للموجز الصوتي بما فيها من معلومات مبهمة لكنهم لم يخضعوا للاختبار الذي أخضعت له المجموعة الأولى، وبدلاً من ذلك مارسوا لعبة على الحاسب الآلي .


قال تشان ولاباجليا أن الاختبار بعد المشاهدة أجبر المشاركين على استرجاع ذكرياتهم حول المشهد وأثناء عملية إعادة الدمج والبناء استمعوا إلى الموجز الصوتي، واستمر ذهنهم في العمل ما سبب تأثر ذاكرتهم مؤقتاً فخلطوا بين أحداث المشهد .


ولاحظ تشان أن هناك عوامل عدة تسهم في إعادة تشكيل الذكريات, أولها عملية التشويش التي تحدث بعيد استرجاع الذكريات، ثم تأتي التغييرات التي يجب أن تكون في إطار الذكريات الأصلية، فإذا لم تكن ذات معنى متصل بالذكرى فلن تحدث أثراً يذكر في عملية تشكيل الذاكرة .


دانييلا شيلر أحد رواد أبحاث الذاكرة في العالم تشير إلى أن الذاكرة تعني ما أنت عليه الآن ولا تجسدها صور ولا تسجيلات، بل تتجسد في واقعك الحالي، وخلال الأشهر القليلة الفائتة توصل الباحثون إلى عدد من الاستنتاجات المتعلقة بالذاكرة ومنها، ذكرت دراسة نشرتها صحيفة “كوجنيتيف نيروساينس” أن الأشخاص الذين يتعاطون عقار أمبين المنوم يمكنهم استرجاع الذكريات السيئة أكثر من غيرهم، مشيرة إلى أن المخ بني على أساس تذكر الذكريات السلبية بصورة أوضح من الذكريات السارة، بحسب الباحثة سارة ميدنيك من جامعة كاليفورنيا ريفيرسايد التي أكدت أن العقار المنوم “أمبين” يعزز هذا الميل، كما توصل علماء من جامعة “هارفارد” إلى أدلة بينة على الدور الكبير الذي تلعبه ذكريات الماضي في استشراف سلوكيات أصحابها في المستقبل، وتعزز الدراسة الاعتقاد باقتران الذاكرة بالخيال والتصور وبأنها أداة تستخدمها الدماغ لنسج خبرات الماضي وتحويلها إلى أفكار مستقبلية، ما يفسر السبب في أن كبار السن أو من يعانون مشكلات الذاكرة يجدون صعوبات في النظر إلى المستقبل .


ودعمت دراسة أخرى الاعتقاد أن المرأة تتعرض لفقدان ذاكرة محدود في فترة انقطاع الطمث، بينما توصلت دراسة أخرى إلى أن تدليك بشرة المرأة بمادة هلام التستوستيرون بعد مرحلة انقطاع الطمث يكسبها حدة الذاكرة .


وقد يمثل هذا خبراً مهماً لاسيما أنه لم يتم التوصل حتى الآن لعلاجات تمنع الإصابة بفقدان الذاكرة لدى السيدات المعرضات لفقدان الذاكرة أكثر من الرجال .


وتوصلت دراستان إلى أن النساء إجمالاً يتمتعن بذاكرة أقوى من الرجال، فالدراسة الأولى التي أجرتها جامعة مكماستر في كندا توصلت إلى أن النساء يملن إلى التركيز على عين وأنف وفم من يتحدثن إليهن ما يترتب عليه تفوقهن على الرجال في تذكر الوجوه .


أما الدراسة الثانية التي أجرتها جامعة كورنيل فقد استنتجت أن النساء يتفوقن على الرجال في استرجاع ذكريات الماضي .


وعزا الباحثون السبب إلى تركيز المرأة أكثر على العلاقات الاجتماعية عند المرور بتجربة ما وتسجيلها في الذاكرة ما يمكنهن من استرجاع المزيد من تفصيلاتها فيما بعد .


دراسة أخرى نشرتها صحيفة “يوروبيان جورنال أوف أورال ساينس” أوصت بضرورة العناية بالأسنان مؤكدة أنه كلما تقلص عددها داخل الفم، زادت فرص فقدان الذاكرة، وقدمت الدراسة تفسيرات توضح العلاقة بين فقدان الأسنان وفقدان الذاكرة، منها ما ذكر أن قلة المدخلات الحسية من الأسنان تقلل عدد الإشارات العصبية التي تصل المخ . كما ذكر تفسير آخر أن المضغ يؤدي إلى زيادة تدفق الدم إلى الدماغ، فإذا لم يتمكن الإنسان من المضغ فلن يتدفق الدم بالشكل المناسب .