الشخصية هي الصفات المستخلصة لوصف شخص معين، وكل علاقة أو حالة تتعلق بالمرء سواء شاعر أو مفكر أو مؤلف، وهي الأنا الإنسانية بكاملها وأولى مراحلها تبدأ عند المراهق وتتمثل بميولاته نحو العزلة، وحقيقة نفسية تبعث منه القوى الكامنة وتتجه نحوه أنظار الناس، ومع ذلك ورغم اعتقاداته الخاصة به فهو إنسان اجتماعي يؤثر فيه المجتمع رغب في ذلك أم لم يرغب وينطبع بطابع البيئة التي يعيش فيها.

وبالنسبة لمرحلتها الثانية تتمثل في انبثاق الشخصية الحقة التي تنتهي بالمراهق إلى الهدوء وإلى السكينة وأخيراً إلى انحلال الأزمة التي طالما دفعته إلى الخروج عن المألوف.

فالشخصية تتكون بعد أن تسيطر الذات على الفتى، وبعد أن يتصل بالبيئة اتصالاً وثيقاً ويتعرف إلى الأفكار العامة عن الحياة وعن الإنسان وعن مصيره. فليست شخصية المراهق إذن مجرد مفهوم وهمي إنما هي حقيقة راهنة لها وحدتها ولها خصائصها رغم وجود بعض العناصر التي تقربها من شخصية الراشد، ويجب أن لا ننظر إليها إلا بالنسبة إلى تركيبها النفسي وإلى صفتها المميزة التي تجعلها خاصة بهذا السن، ويجب أن ننظر إليها أيضاً كمرحلة نمو تظهر فيها الأنا العاقلة، ثم تنتظم الهيجانات والمفاهيم والحركات العادية وتشكل وحدة تكاد تكون تامة.

وإذا تعمقت عاصفة الأزمة وكانت شديدة تعمل على اضطراب، تتكون
في نهايتها شخصية المراهق يجب الاعتراف بأنها ليست أول وآخر مرحلة في نمو هذه الشخصية فالشعور بالشخصية عند الطفل يكون أول مرحلة وتعقبها المرحلة الثانية وهي بروز الشخصية لدى المراهق.

وقد قال بعض علماء النفاء أنه يحتاج الطفل في السنة الثالثة من عمره أزمة أيشعر معها بانفصاله عن الأشياء التي تحيط به وهي الحركة الأولى في فرض نفسه وتكون مقدمة للشعور بالشخصية. ويعتمد المراهق في سلوكه وفي تفكيره على تجربته الناقصة وعلى عواطفه أكثر من اعتماده على الحقائق الموضوعية البعيدة عن كل تعليق شخصي أما الراشد فهو على العكس من ذلك، ينظر إلى الأمور برصانة وحياد ويعمل الفكر والذكاء مبتعداً عن كل عاطفة أو هوى.

وربما الأزمة تساعد المراهق في تكوين شخصيته التي تختلف بصورة جوهرية عن الشعور بالذات الذي تصادفه عند الطفل وتختلف شخصيته عن شخصية الراشد أيضاً فيتوصل المراهق في الثامنة عشرة أو في التاسعـــة عشرة مــن عمره إلــى أول تعبير عن نفسه، وينتظم سلوكه ويأخذ تفكيره شكلاً شخصياً، ولا يظهر بمظهر الغريب عن بيئتـه، إذ ينبثق بوساطة الأزمة كل ما هو خاص به وفردي، وتتكون طبائعه، وتهدأ نفسه وترتاح ويرجع إليه التوازن، ويشعر المراهقون والمراهقــات بهناءة وطمأنينــة ويتذوقون لأول مرة جمــال الحيـاة الهادئة وهذا الوضع النفسي يكون نتيجة للتفاهم بين الفرد والبيئة.

الفتى يحتفظ بعد أن يجتاز مرحلة الأزمة بنشاطه الذي يقوده إلى مجابهة البيئة

بشجاعة وإقدام، ويمكننا بعد ملاحظة الحالات المختلفة للأزمة أن نقبل بالنتائج الآتية:

1- المراهقين الذين مروا باضطرابات عنيفة إبان الأزمة بعيدون عن اكتساب إرادة قوية في سن الراشد بل يكون منهم الشاعر والفنان، والمفكر، والعامي، إن الأزمة التي درسناها تدل على إفراط في الحساسية وعلى ذكاء متقد، غير أنها لا تكون الطبع القوي، وعلى العكس فإن المراهقين الذين يكبتون اندفاعهم يظهرون ميلاً إلى العمل وحب النجاح فيه، وهذه علامات رجال العمل الذين لا يعرفون هذه الأزمة والذين ينظرون إليها كحاجز يمنعهم من النجاح ويجب أن لا تكون لها محل نفسياتهم. وإن للكاتب والشاعر والفيلسوف بصورة خاصة مراهقة ثورية مضطربة تتكون فيها العبقرية وتقوى مع اضطرابات الشعور المتكررة.

قال سترن.. عن عالم آخر بأنه تمكن من تقرير مصيره وهو في الرابعة عشرة من عمره "يريد أن يكون لغوياً" وكان له ذلك ويقـول عن نفسه: أنه اختار في التاسعة عشرة من عمره الفلسفة التي ستكون راحة أو على العكس ستكون له خراباً أو دماراً.

وقد تكسب الأسرة والمهنة والعلاقات الاجتماعية الإنسان في سن الرشد عناصر جديدة غير أنها في الحقيقة ظاهرية ولا يكون التأييد الكلي والدائم إلا بالعناصر الناشئة عن الأزمة في سن المراهقة. ويمكننا الآن بعد دراسة الأزمة وإظهار العلاقات القائمة بينها وبين تكون الشخصية أن نحدد النتيجة التي وصلنا إليها.

وقد يلعب في تلك الاضطراب عوامل قد تكون اجتماعية تجعله كثير الانتباه

إلى المجتمع، إن هذا الاتجاه يتطلب جهداً عقلياً كبيراً هو العنصر الأساسي في تكوين الأزمة التي تؤدي به إلى فرض نفسه، وتكون شخصيته. فمهمة الأزمة هي تسهيل اكتشاف الشخصية من قبل الفرد ذاته والتكيف مع البيئة.

ولكل دراسة علمية نتائج عملية وتطبيقية. ودراسة نفسية المراهق تقودنا إلى البحث عن الحلول التي تخفف حدة الأزمة وتوجه المراهق توجيهاً فيه راحة لنفسه وفيه نجاح في حياته، وإنني لم أبحث فيما تقدم سوى الحوادث النفسية بغية إظهار الخطوط الأساسية لها والتعرف إلى بروز الشخصية.

وبعيداً عن الوقوع في الخطأ وعن الضغط على الحرية الفردية ونسعى لمعاملة كل مراهق حسب ما يقتضيه الظرف، فلكل واحد منهم خصائص فردية تحتاج إلى معالجة على حدة.

ثورة المراهق مما لا شك فيه أنها تظهر جلياً للوالدين وللمدرس فما عليهم إلا الفهم والفهم حقاً عوضاً من الخوف والاضطراب لأن المراهقة تسبب مشادة بين الراشد والناشئ، وينتج عدم الفهم زيادة في الأزمة وزيادة في المشاحنة، ولقد لوحظ بأن الأقرباء والأستاذة من حيث العموم يعاملون طلابهم في سن الثورة النفسية كرجال أو كأطفال ناسين أنهم مراهقون، والحقيقة أنه لا يمكن معاملتهم كرجال لأنهم لم يتوصلوا بعد إلى توازن عقلي رغم اعتقادهم بأنهم أصبحوا رجالاً. لا يرضون أن يكونوا مثل سائر الرجـال بل يختلفون عنهم ولا يمكن أيضاً معاملتهم كأطفال بشعورهم بقيمة شخصيـة كبيرة، يرفضون معها الانقياد إلى أوامر الراشد، والنتيجة فالعامل الأساسي في كسب ثقة الشباب هو فهم روحهم ومخاطبتهم باللغة التي يأنسون إليها واحترام مثلهم العليا وحمايتهم دون قسرهم على قبول وجهات نظرنا.



وبالتالي لا نحبذ أو نريد من ذلك أن يعمد البالغ إلى النزول إلى مستواهم لدرجة ينسى معها نفسه ثم يقبل وجهات نظرهم إنما نريد أن يظهر شخصية قوية وحزماً وتفوقاً في جميع الميادين.

وبهذا يكون المثل الحي الذي يقتدى به باختيار ورغبة لا بعامل الضغط والقوة . ويكفيه أن يظهر عطفاً على آراء بعض الطلاب لا لأنها أقـوى من آرائه وأعمق منها بل لأنها ملكهم ومن إنتاج تفكيرهم ولقد قال العالم "مندوس" إن ملاحظات الأستاذ المخلص لطلابه والذي يفهمهم حق الفهم هي برد وسلام مهما كانت قاسية وعنيفة.

لذا بين أحد العلماء أن مهمة المربي النظر للمراهق وبالتالي إكسابه معرفة أسرار الحياة لا حشو دماغه بالمعارف والمعلومات. فالنضج العقلي هو المطلوب ويجب على المربي أن يجعله هدفاً له في توجيه المراهقين.


ويتساءل البعض أحياناً إذا كان من المفترض التضيق وكبت أزمة المراهقة أو الوقوف تجاهها على الحياد والحقيقة فإن كلّ مفهوم تربوي يجب أن يكون معتمداً على فلسفة، أو على مبادئ أخلاقية أو على مجموعة فكر اجتماعية، ولا يمكننا مناقشة الآراء جميعها في هذا الصدد إنما نرى من الضروري الاستفادة من دراستنا اللازمة كي نقبل بوجهة نظر حيادية ولقد تبين بأن هذه الأزمة هي ثورة لا بد منها وهي مرحلة من الحياة ضرورية يتوصل معها الشاب إلى الشعور بشخصيته وإلى تحديد اتجاهاته وإلى فهم المحيط والاندمــاج فيه، لذا علينا أن نقبل بوجودهـا ونحــاول فهم نفسية المراهقين دون محـاولة كشف أسرارهم، وقد يحدث أن يأتي إلينا بعضهم بعد أن نكسب ثقتهم ليفتحوا لنا كوامن صدورهم ويطلعونا على ما يقض مضاجعهم ويتباسطون معنا بالحديث لدرجة مذهلة بسبب الثقة التي تمكنا من الحصول عليها.