1- الشعور بالأمان:


شروطه: التحلي بصفات كريمة، سلوك متحضر, قلب ينبض بالحب ولا مكان للكراهية والحقد فيه، وعلاقات طيبة مع الناس.

اذا كنت كذلك فسوف تسترخي تحت الشجرة وتسبح في نومك على نغمات صدح البلابل وشدو العصافير وهديل الحمام وخرير المياه, ونسمات الهواء النقية ولا تبالي بمن حولك ولا تخاف مكروها.

فالأمان يولد من رحم الحب والعدل والعطف والإنصاف وإعطاء الحقوق لأهلها، والمسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده كما قال الرسول الكريم (ص)، وبالتالي فسوف يسلم بدوره من أذى الناس وشرورهم.

عندما دخل المسلمون القدس، منح عمر بن الخطاب- وما أدراك ما عمر- الأمان لنصارى المدينة وأصدر الوثيقة العمرية أو وثيقة الأمان التي تعهد فيها بحماية وصيانة جميع مقدساتهم وكنائسهم وإنجيلهم ورهبانهم وأموالهم وأعراضهم, وقد أشاع بذلك جو الأمان والسعادة في نفوسهم وفتنهم وأذهلهم بعدالته وقوة إيمانه.

عمر الذي أطلق يوما كلمة سطعت بنورها أرجاء الدنيا حين قال:" متى استعبدتم الناس وقد خلقتهم أمهاتهم أحرارا", كان يحرص على العدل بين رعيته على اختلاف ألوانهم وعقائدهم، كما رسخ الأمان وثبت قواعده في أركان الدولة.

وعندما فتح المسلمون بلاد مصر وطردوا الرومان الذين سفكوا دماء الناس وهتكوا أعراض النساء واضطهدوا القساوسة, أرسل عمرو بن العاص بكتاب الأمان إلى الأنبا بنيامين بابا القبط آنداك وقد كان فارا من بطش الرومان، وحين تسلم الرسالة عاد مسرعا إلى مصر وقال:" لقد وجدت في الإسكندرية زمن النجاة والطمأنينة اللتين كنت أنشدهما بعد الإضطهاد والمظالم التي كان يمارسها الرومان".



2- الركن الثاني: الكرم

ليس الجود أن تعطيني ما أنا أشدّ منك حاجة إليه ، وإنما الجود أن تعطيني ما أنت أشدّ إليه حاجة مني-
جبران خليل جبران.


الأمر لا يستدعي أن تكون ثريا حتى تساعد المحرومين والمحتاجين، بل يتطلب منك نوايا صافية لوجه الله تعالى، تستطيع أن تفعل ولو بكلمة طيبة أو ابتسامة صادقة تشرح بها صدور ناس ضاقت بهم الدنيا، أو تطعم مسكينا ولو بشق ثمرة أو تمسح على رأس يتيم وكل ذلك كفيل بإسعاد الناس ورسم البسمة في وجوههم , وبالتالي تشعر معهم بسعادة تغمر قلبك وتنير حياتك, وكلما فعلت ذلك زادت سعادتك وانشرح صدرك عندئذ يصبح العطاء مصدر متعتك في الحياة ومنبع سعادتك, وهذا القانون يسري مع جميع الناس باختلاف عقائدهم وانتماءاتهم ومستوى عيشهم فكيف بالمؤمن الذي يخلص عمله لله عز وجل فالدنيا فانية وما فيها زائل وان الدار الآخرة لهي الحياة الحقة, فاجعل عملك وحبك في الله تكن أسعد الناس بحث.

كان الحسين بن الإمام علي رضي الله عنهما يقول لأصحابه:"حوائج الناس إليكم من نعم الله عليكم", وهو القائل أيضا: "أيها الناس نافسوا في المكارم وسارعوا في المغانم واكتسبوا الحمد واعلموا أن المعروف يكسب حمدا ويعقبه أجرا ومن جاد ساد ومن بخل ذل, وان أجود الناس من أعفى من لا يرجوه, وأعف الناس من عفا عن مقدرة, وأوصل الناس من وصل من قطعه، ومن أحسن أحسن الله اليه, والله يحب المحسنين,".

ومن ليه هموم فلينتصر عليها بالصدقات والإحسان إلى الناس والعطف على المساكين ومساندة المظلومين وجلب الفرحة لهم,

لقد كان علي زين العابدين ابن الحسن ابن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم جميعا- كان يقبل الصدقة قبل إعطائها على غرار أمنا عائشة رضي الله عنها التي كانت تعطرها إيمانا منها كما ورد في الأثر أن الصدقة تقع في يد الرب قبل أن تقع في يد العبد.

فالعطاء والجود والكرم والسخاء من شيم السعداء, وهي تبعث على صاحبها البهجة والسرور ويكون صحيح البدن سليم الطوية سيد أهله, عزيز النفس, خادم الرجال متواضعا بينهم, لين الجانب لا تفارقه الابتسامة ولو في أحلك الظروف, لا يساوره الشك فيمن حوله ولا يكتويه الحقد على أحد, وان حزن فحزته في الله, قلما تجده متوجعا معتصرا بالألم، وكيف لمثله أن يتألم وأكف الضراعة وقلوب الفقراء والمساكين والمظلومين والمتشردين والمرضى والمكلومين وكل الذين ساعدهم وأسعدهم تبتهل وتتوسل إلى الل عز وجل وتدعو أن يحميه من الشرور والآثام.

كما سبق ذكره, فانما الأعمال بالنيات ولكل كريم ما نواه فقانون السعادة يسري على الجميع ولا يميز بين مؤمن وكافر، ملتزم أو عاصي, بل ان كل من عمل به يحصد ثماره, وانما تكون سعادة الكافر في دنياه, أما سعادة المؤمن فهي دائمة دوامه في الدنيا والآخرة, ولذلك كان الإخلاص في العمل لوجه الله تعالى أضمن للإنسان كي يعيش في سعادة أبدية.

لقد كان علي بن أبي طالب رضي الله عنه يتلذذ ويستمتع بإطعام المساكين ولو على حساب أهل بيته وقد كان يعاني شظف العيش وضيق ذات اليد ومع ذلك كان يطعم المحتاجين, وفي يوم من الأيام وبينما هو صائم ينتظر حلول موعد الإفطار مع أهل بيته إذ سمع مناديا ينادي بأعلى صوته: " مسكين يا قوم يتضور جوعا فهل من مجيب", فأجاب الإمام وحمل الطعام اليه وهو مسرور النفس منشرح الصدر, وفي اليوم التالي وبينما كان يتأهب للإفطار سمع آخر ينادي : " يتيم يا قوم أشكو جوعي وضمئي" فانطلق الإمام مسرعا وحمل طعام أهله نحو الطفل وحين عاد قال لزوجته فرحا : " هلا أحضرت لنا خبزا وثمرا يا فاطمة".

وفي اليوم الثالث، وفي نفس الوقت سمع رجلا ينادي: "أسير يا قوم وأتوق للطعام " ولم يتردد الإمام علي في حمل طعام أسرته نحو الأسير وقدمه له راضيا عائدا إلى أهله فرحا ومبتسما يقول:" عليك بالأسودين يا فاطمة".

لقد كان علي رضي الله عنه يتوق إلى إطعام الفقراء وإسعادهم وكان حريصا على ذلك يدعو الله كي يمنحه القدرة على فعل الخير حتى أنزل الله تعالى فيه قوله عز وجل: " ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاء ولا شكورا." .
والأمثلة عن الصحابة كثيرة ولا يتسع المقال لذكرها, فخذ مثل عثمان بن عفان رضي الله عنه الذي كان يحيل قوافله التجارية نحو مسجد رسول الله لتصبح رهن إشارته (ص) ينفقها على الفقراء والمساكين, وكان ينفق المال الكثير لتجهيز جيوش المسلمين وفك رقاب العبيد وشراء الآبار وسد حاجات الأيتام والعجائز.

وخذ كثل الصحابي الجليل عبد الرحمان بن عوف رضي الله عنه, الذي كان عطاؤه غير محدود على الفقراء والمساكين وعلى جيوش المسلمين.

وخذ مثل أبي بكر الصديق رضي الله عنه الذي وهب جميع ثروته في سبيل الله حتى سأله النبي (ص): " ماذا تركت لأولادك يا أبا بكر ؟ فأجاب:" تركت لهم الله ورسوله يا رسول الله".


الركن الثالث: لا تكن أنانيا


إذا سألتَ أخاك حاجة فلم يجهد نفسه في قضائها، فتوضأ للصلاة وكبِّر عليه أربع تكبيرات وعدَّه في الموتى- ابن شبرمة


ان كل الذين عاشوا على وجه البسيطة في رغد وسلطة وركنوا للدنيا منعمين, كانوا أنانيين لدرجة كانوا يرون غيرهم مجرد حشرات صغيرة لا قيمة لها.

هذه الفردانية وحب التملك جعلهم ينفرون الناس من حوله حتى صاروا وحدانيين لا يجدون من ينفس عنهم ولا من يؤنسهم ويواسيهم وقد الشدة. لقد ضلوا متشبثين بالسلطة والمال لدرجة المرض فلم يكونوا يهتمون لسعادتهم ولا يعرفون طعمها أصلا.

واليوم يعيش بيننا الكثير ممن استطاع أن يجمع ثروة مهمة لكنه لا يتلذذ بالحياة ولا يستمتع بماله لأن شغله الشاغل في ادخاره وليس في إنفاقه, فما قيمة المال اذا لم ينفق في سبيل سعادتنا وسعادة غيرنا ؟ لا شيء .

ان السعادة مشاركة جماعية وليست فردية, فلو أن أحدا دخل مطعما به أشهى المأكولات وألذ المشروبات, وطلب من مالكه أن يخرج الجميع كي يخلو له المكان لوحده ما أحس لحظة بالسعادة الحقيقية إنما هو التجبر والتكبر والأنانية وتلك أمراض تهلك القلوب.

كما أن الأنانية نزعة قبيحة تكره الناس في صاحبها وتؤدي به إلى البخل والإمساك والخوف من الآخرين.

لذلك فمشاركة الآخرين فيما تملك غير أناني ولا طامع فيما يملكون ومبادلتهم حبك وعطفك وحنانك سبب في مبادلتهم لك نفس الأحاسيس، فلا أضن أن هناك من هو محبوب من الناس ولا يشعر بالسعادة.


الركن الرابع: تمرد على روتين الحياة

ان حياتنا اليوم تتسم بالرتابة والتكرار, فالموظف فينا يضل منشغلا في عمله وقتا أكثر مما يقضيه مع أهله وأحباءه وفلذات كبده لدرجة أنه لا يجد وقتا لحك رأسه أو تقليم أظافره وحتى لباسه يعجز عن ارتداءه ولو لم تأت الزوجة في الوقت المناسب لخرج بلباس نومه. ولو سألناه ان كان يحب حياته لقال لنا أنه لا يحتملها، فلماذا يضل محتفظا بها على نمطها, لماذا لا يغير من أسلوب حياته اذا كان يحس بالملل ومع ذلك يفعل الشيئ نفسه, فاما أنه لا يدري كيف يحسن من حياته أو أنه لا يريد فهل ذلك ويركن في دائرة الأمان خوفا من التغيير الذي قد يأتي له بما لا يشتهيه فطائر في اليد خير من عشرة فوق الشجرة في نظره.

كيف لنا أن نقاوم الملل ونقضي على رتابة حياتنا ونرفع بذلك مستوى سعادتنا ؟؟
الأمر ليس صعبا كما نضن، لكنه يلزم شيئا واحدا فقط وهو أن تكون لديك الرغبة في التمرد على نمط حياتك الحالي، فمادام ما تفعله لا يشعرك بالسعادة فلا داعي للاستمرار عليه.

خذ لنفسك يوما للراحة والاستجمام ، انطلق نحو الشاطئ وان شئت اصطحب معك زوجتك وأولادك، تمدد فوق الرمال الذهبية..انظر إلى زرقة السماء وصفاءها..استمتع بأصوات الموج ولا تفكر أبدا في عملك أو أي من التزاماتك فسوف يحين الوقت المناسب لذلك.

لا تضيع وقتك في مشاهدة أطفالك وهم يلعبون..بل انهض والعب معهم, لا تكن متكلفا, لا تكن متشددا , لا تكن متجهما سلطويا عليهم ، شاركهم في ألعابهم وكن جزءا منهم وليس رقيبا عليهم.. شارك زوجتك في اللعب واجعلها حكما بينكم , استمع اليها وناقشها في أفكارها ولا تلقي بالك لعملك, ألق بهمومك في البحر, وتحدث مع زوجتك وعبر لها عن حبك وامتنانك لها ولأسرتك, لا تحملها عبء الطعام والشراب فقط, لا تدعي الحكمة والتعقل وتجلس ساكنا هادئا ضانا منك أن اللعب واللهو مع أطفالك وزوجتك ينقص من كونك ربا للأسرة وسيدا لها.

اصطحب أولادك إلى المسجد، ناقشهم أمور دينهم واحرص على إشاعة الأمان والطمأنينة في نفوسهم
خذهم معك لمشاهدة مباراة في كرة القدم، خذهم معط إلى المقهى وافتح معهم الحوار، اجعلهم أصدقاء لك وكن مرشدا لهم حنونا عليهم محفزا لهم وعونا في الشدة ، اجعلهم يعتمدون على نفوسهم، شجعهم على إبداء آراءهم بثقة وايمان في قدراتهم, اجعلهم يحققون ما لم تحققه في طفولتك وأعطهم ما لم يعط لك حين كنت في سنهم وعش معهم لحظات السعادة والفوز والنجاح.


ان إحداث تغيير بسيط في حياتك كفيل بقتل الملل ودفع النفس على الفرح والسرور , فلو عاد الملل مرة أخرى أخرج في رحلة , اجلس في مقهى جديد اقرأ كتابا جديدا , اقصد مكانا لم تزره من قبل, زر أحدا من أصدقاءك أو عائلتك, عد مريضا واصنع على شفتيه البسمة, عندها سوف ترى الملل يتسلل من أرجاء نفسك مذموما مدحورا.