تأمل كرة القدم
الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على رسول الله محمد المبعوث رحمة للعالمين أما بعد:
لست من هواة كرة القدم، ولا من عشاقها بل إني لا ألعبها لعدم وجود الرغبة لذلك ولأنها لا تصلح لأمة تستورد معظم حاجياتها وتعاني من جراحاتها.
جلست أمام التلفاز يوماً، وتأملت في هذه اللعبة فاستللت من مشاهدتها معاني تربوية غابت عن أنظار المشاهدين لهوى نفس أو هروب من الواقع المرير.
(1) الهدف:
رأيت هؤلاء الرياضيين كلهم يسعى إلى تحقيق غاية معينة في هذه اللعبة، ألا وهى إدخال الكرة في مرمى الفريق الآخر.
فلولا وجود المرمى (الهدف) في هذه اللعبة لما استقامت اللعبة .
فلابد لأي إنسان -مهما كان- من هدف يتجه نحوه، ويبذل المستحيل لتحقيقه وهناك بعض الأهداف تكون نبيلة من دعوة إلى الخير ونشر للعلم النافع وإصلاح بين الناس وغيرها. وأيضا هناك أهداف وضيعة.
فهل يا ترى اتضح هدفنا، وحددناه وسعينا في سبيل تحقيقه, كحال هؤلاء المتسابقين في الملعب أم لا ؟
نعم إن هناك هدفاً كبيراً للإنسان في هذه الحياة, وهو تحقيق الغاية التي من أجلها خلق الإنسان
{وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ }، وطلب مرضاة الله سبحانه .
لكن هناك أهدافاً فرعية لكل مسلم ، ينبغي أن يتفكر فيها مع نفسه ، هل حدد هدفه ؟ وإذا حدده , هل سعى في تحقيقه ؟
إن من أسباب تعاسة بعض الناس في هذا الزمان, أنهم يعيشون بلا هدف منشود، وإذا وجد فلا طموح في تحقيقه .
(2) التعاون:
تأملت مرة أخرى في حال هؤلاء الرياضيين, فرأيت أن مبدأ التعاون يعد من أركان هذه اللعبة.
إن التعاون من أكبر أسباب النجاح, فلابد لأي مشروع من مشاريع الخير -مهما صغر- من فئة تعين بعضها بعضا.
وأي مشروع خلا من روح التعاون فهو خداج إلا ما قل، قال تعالى: ((وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ)) .
إنها دعوة للأفراد والمؤسسات إلى إشاعة مبدأ التعاون وتطبيقه على أرض الواقع. ففيه نجاح للأعمال ونشر للمحبة والثقة والإحساس بالمسؤولية بين المتعاونين.
(3) المشاركة في تحقيق الأهداف:
رأيت أن الذي يصنع الهدف في هذه اللعبة ليس واحدا فقط ، بل سلسلة من اللاعبين.
فقد يتصور البعض أن الذي حقق الهدف واحد, وهو الذي أدخل الكرة في المرمى, والحقيقة أن الذين حققوا الهدف مجموعة كبيرة من الفريق .
إن بعض أعمال الخير مثل المشاريع الدعوية الناجحة وغيرها إنما تحققت بجهد كبير من ثلة مؤمنة سعت في تحقيق هذا الهدف .
فمثلاً إقامة المحاضرات الدينية والعلمية اشترك في إقامتها المنسق للمحاضرة، والمقدم للمحاضر, والمعلنين عنها والمعدين لمكان إقامتها، والمحاضر نفسه، فكل واحد منهم له سهم في إقامتها.
فالمهم إقامة الخير وتحقيق الهدف بغض النظر عمن ظهر للناس أنه المباشر فلا مدخل لحظوظ النفس هنا.
فكل عمل خيري أو مشروع علمي أو صناعي أو اجتماعي له صناع من الجنود المجهولين، الذي ينبغي أن يُعرف فضلهم وأن يشاد بهم.
(4) أهمية التشجيع:
أظن أنه لو لم يكن في الملعب مشجعين ، لما كان أداء اللاعبين جيدا، بل قد يكون كثرة المشجعين من أسباب فوز الفريق.
فكم يا ترى رأينا من إخوتنا إبداعات وتفوق ونجاح، فلماذا لا نشجعهم ونحثهم على المزيد ونشد من أزرهم ولو بكلمة ثناء أو شكر.
نعم إن المسلم مطالب بألا ينظر إلى كلام الناس ومديحهم هذا من جهة العامل، أما من جهة الناس الآخرين فهم مطالبون بتشجيع أهل الخير والعاملين وغيرهم ممن لهم أعمال خيرة -ولو صغرت-
ومؤازرتهم بل ونصحهم وهذا من التشجيع والتعاون على البر والتقوى .
(5) التعصب المقيت:
إن مما يعاب على بعض الناس في هذه اللعبة، هو التعصب المقيت للفريق الذي يشجعه الشخص.
فتجده يوالي ويعادي من أجله، بل قد يعتدي على غيره إما بالضرب أو بالسب أو الاستهزاء وغيره وهذا كله من التعصب المقيت البغيض .
ومثله يقال للمسلم بألا يتعصب لشخص معين أو لرأي معين أو لبلد معين أو لمؤسسة معينة أو حزب معين وغير ذلك، بل يعمل بالحق الذي يراه حقاً دون تعصب فيقبل وجهات النظر الأخرى التي تخالفه وذلك بأن يسمعها ويحاورها بعيداً عن التعصب والتشنج والإقصاء والتجريح ويحافظ على ما أتفق عليه.ويمهد طريق الحوار.
إن مما يؤسف له حقا أن بعض الآراء والأطروحات والأفكار وغيرها، قد تكون حقاً، لكن الناس ينفرون منها بسبب التعصب المقيت الذي يحوم حولها.
التعصب الذي يؤدي للكذب من أجل طمس الحقيقة وسد منافذ الحوار ورفع راية الجهل وأستغباء الجمهور ونشر الفوضى فمصيره الفشل ((وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ))
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى أله وصحبه
المفضلات