من قال إن الكمال مستحيل؟
"سيجما ستة 6 ؟ "
نهجية صناعة الكمال لا التفتيش عنه


دونالد فاجنر


بعد أن يؤمّن الروّاد التمويل اللازم لإطلاق أعمالهم يحين الوقت لتحويل الأفكار من تصوّرات ٍ إلى واقع. وكلّما أسرعوا في توليد الربح من تلك الأفكار كلّما كان ذلك أفضل لتحسين فرص نجاحها وتقدّمها.


عندما تكون فكرة عمل الشركة أو المنتج جديدةً فربّما يجدُ أصحابها فسحةً من المرونة والمناورة في الأسعار –إلى حين يطول أو يقصر- ولكنّ الواقع الذي لا منجاةَ لأحدٍ منه هو أنّ ضغط اقتصاد العالم الواحد لا يقبل إلاّ بتخفيض السعر دون مساسٍ بجودة المنتج أو الخدمات المتعلّقة به. وكذلك نرى كيف يستمر في التزايد عدد الزبائن الذي لا ينتظرون شيئاً غير الجودة المثلى، وهو ما يمثّل تحدّياً صعباً للجميع وللشركات الوليدة خصوصاً.







حتّى يمكن للشركة الوليدة النجاح هناك أكداسٌ من المهمّات التي ينبغي القيام بها في الوقت الصحيح وعلى الوجه الصحيح. ومع حضور احتمالات الخطأ العالية أصلاً، وتصاعدها مع توظيف المزيد من الموظّفين والدخول في المزيد من الأنشطة يسأل المرء نفسه: ترى هل هناك وسيلةٌ للاحتفاظ بالحماس والطاقة اللذين رافقا صياغة فكرة الشركة ومهّدا السبيل لتمويلها وبدئها؟ هل يمكن تلبية هذا الطلب الملحّ على الجودة وجعل كل خطواتنا "مقتصدةً فعّالة lean" إلى اقصى درجة ممكنة؟


منهجية "سيجما ستّة Six Sigma" لدى تطبيقها التطبيق الصحيح هي إحدى الطرق التي يمكن أن تساعد كل انواع المنظّمات على القيام بذلك.


ما منهجية " سيجما ستّة"؟


إلى متى تضخّ الماء المتسرّب إلى سفينتك!؟.. اسدد كلّ الثقوب، صفّح مركبك وانطلق.
كلّ مؤسّسة أعمال صغيرةً أو كبيرة –والصناعية منها خصوصاً- تواجه ضغوطاً تنافسية تدفعها إلى تخفيض الأسعار وتقليص "التذبذب variability" في نوعية المنتجات والخدمات. ومنهجية "سيجما ستة" هي منهجية في تنظيم الإنتاج تستند على المعطيات والعمليات والأدوات الإحصائية لإلغاء العيوب وتثبيت الأداء على مستوىً قريبٍ جداً من الكمال. وبمعنىً أدق، يعني التطبيق الصحيح لمنهجية "ستة سيجما" عدم وقوع الأخطاء في المنتجات بنسبة تزيد عن 3.4 خطأ في كل مليون فرصة. واسم المنهجية ذاته "سيجما ستة 6?" هو اسم القيمة الإحصائية للانحراف المعياري standard deviation التي تصف هذا المعدّل من احتمال وقوع الأخطاء.


ودون الدخول في تعريف المصطلح الإحصائي"سيجما، أو الانحراف المعياري الذي ننوي المرور عليه في مقالةٍ قادمة بإذنه تعالى" يمكن القول بكلماتٍ مختصرة:
إن كنّا قادرين على تحديد العيوب ومواضع نشوئها وقياس عددها في عمليةٍ معيّنة فباتباع الطريقة العلمية يمكننا أن نقلّص تلك العيوب إلى درجة العدم عمليّاً.


وفي الممارسة العملية تعتمد هذه المنهجية على إطارٍ من خمس خطوات يدعى اختصارً بـِ "DMAIC"


1- حدِّد Define: حدّد ماهية الانحرافات "المشكلة" وأبعادها ومواضع نشوئها المحتملة.
2- قس measure: ارسم ونسّق مؤشّرات معطيات مختلفة تبيّن الخطوات ذات القيمة المضافة وغير ذات القيمة ضمن العمليات المتبعة في الشركة.
3- حلّلل Analyze: عالج المعطيات بأدواتٍ مختلفة حتّى تقرّر مقدار الانحراف وتحلّل أسبابه.
4- حسّن Improve: أغلق أبواب الخطأ في العمليات باستخدام الأدوات والتقنيات المختلفة.
5- راقب Control: ارسم حدود وإجراءات التقييم وثابر على متابعة وقياس وضبط العملية الجديدة حتّى تضمن عدم انزلاقها مجدّداً إلى الانحرافات.


الجودة الأعلى بالسعر الأدنى:


تقود منهجية "ستة سيجما" منظمة الأعمال نحو تحقيق الهدف المتمثّل في إيجاد أدنى تكلفة ممكنة لقاء مستوى الجودة المطلوب، والمتفق عليه مع العملاء.


يجب على شركتك أن تكون "مؤسّسةً مقتصدة lean enterprise" والتي تعني ما يلي حسب معجم "جمعية إدارة العمليات APICS":
أهداف "المؤسسة المقتصدة" هي أن تحدّد تحديداً صحيحاً القيمة للمستهلك النهائيّ، وأن تحلّل وتركّز مسار تدفّق القيمة بحيث تقوم بكل خطوة –من تصميم المنتج الجديد ثم الإنتاج فالبيع فالخدمات- بطريقةٍ تجعل الخطوات التي لا تولّد القيمة تُستبعَد، والخطوات التي تولّد القيمة تستمرّ في انسيابٍ مستمرّ مدفوعةً باحتياجات العملاء.


إن تحديد الخطوات والعملية المولّدة للقيمة المضافة يعتمد على تفهّم الشركة للزبون وإدراكها ما يرغب في دفع المال لقاءه. لكن، مع أنه هناك خطوات معينة يمكن اتخاذها لجعل المؤسسة "مؤسسةً مقتصدة"، فإنه إن كانت عمليات الشغل غير مستقرّة فإنّ أداء العمليات سوف يتفاوت، ومثل هذه التفاوتات لا بدّ من أن تؤثّر سلبياً على الجودة، والتكلفة، ومدة دورة الإنتاج، ومواعيد التسليم.


كيف نبدأ بتطبيق منهجية "سيجما ستة":


لتطبيق منهجية "سيجما ستة 6? " بفاعلية في الشركة، ينبغي أن يتمّ كلّ شريك تدريباً تعريفياً بهذه المنهجية والذي يهدف إلى ترسيخ هذه المنهجية كجزء جوهريّ ضمن ثقافة المنظّمة. وبالإضافة إلى ذلك ينبغي اختيار أحد الشركاء وتدريبه تدريباً متقدّماً وصولاً إلى مستوى "الحزام الأسود". يمكن للحائز على مستوى "الحزام الأسود" في منهجية "ستة سيجما" تدريب وإرشاد فرق المشاريع، وهو ماهر في استخدام الأساليب التحليلية المعمّقة -بما في ذلك البرمجيّات المخصّصة- من أجل الخروج بتحسيناتٍ استثنائيّة في المنظّمة.


والتعاون مطلبٌ حيوي لنجاح عمليات "سيجما ستة" وهو الذي ييسّر تدفق مشاركات وآراء الموظّفين والحصول على تأييدهم للمبادرة. وهكذا فإنّ فريق مشروع ستة سيجما يضمّ في عضويته كلّ أصحاب العمليات ذوي العلاقة (العملاء، المساعدين الإداريين، والمورّدين، مثلاً) ينبغي تعيين عناصره ومقوّماته بحرص وتوجيهه لمعالجة منطقةٍ معينة. ويجب السماح لأعضاء الفريق بكل الحرية اللازمة لجعل مبادئ مشروع سيجما ستة قائدهم المرشد في الاستكشاف وتعيين المواضع الدقيقة التي ينبغي التركيز عليها.


نصائح مهمّة للنجاح:




الفلسفة البعيدة المدى لمنهجية "سيجما ستة" هي التخلّص من كل الأنشطة والخطوات غير المولّدة للقيمة المضافة في عمليات المؤسسات المختلفة. ورحلة الكمال هذه رحلةُ تحسين متواصل ينبغي أن تكون مركّزةً حتّى لا يكون تطبيقها الفعلي عبئاً يغرق المنظّمة ولا يعينها.


1- إيّاك أن تبدأ بدايةً ضعيفة
اجعل التغيير واعتماد منهجية "السيجما ستة" مبادرة الجميع من أجل الجميع. أدخل كل المستويات التنظيمية في العملية، وأحسن استثمار كل القوى في منظّمتك وثقافتها.


2- انطلق رويداً رويدا
اصنع كل ما ينبغي لتضمن أن الموظّفين تُقدّر مشاركاتهم ويُشكرون على تمحيص مشكلات تنفيذ العملية وإظهارها إلى العلن باكراً. إيّاك أن تضخّم صورة "السيجما ستة" إلى درجةٍ تجعل الموظّفين يُحجمون عن الإشارة إلى ما يرونه من عجز في العمليّة.


3- كوّن الفريق المناسب منذ البداية
ابحث عن الأفراد الملائمين للقيام بدور المشرف المرشد "الحزام الأسود" الذين لا يكتفون بحيازة الخبرات التقنية وإنّما يجمعون معها درجةً رفيعةً من الاحترام والقبول اللازمين للعمل مع الموظّفين في كلّ المستويات بشركتك.


4- ابنِ القاعدة الملائمة
راجع ثقافة منظّمتك وتحقّق من أنها ليست متجمّدة عند مبادئ وعقليّات "مثل عقليّة:خطّط، نفّذ، دقّق، تصرّف" لا تصلح كأساس للعمل بمنهجية "سيجما ستة" عملاً مثمراً مستمرّاً.


5- اختر المشروع الملائم
كن حريصاً ومنهجياً في اختيار المشاريع التي تتطلّب مستوى "سيجما ستة" من التحليل والدقة، وخذ وقتك الكافي لتحديد مستوى المردود الذي تحتاج إليه.


6- أشرك الفريق
استخدم طريقة "مراجعة البوّابات" التي تتطلّب مشاركة كلّ أعضاء الفريق. تساعد هذه الطريقة في إيجاد الشعور بالمسؤولية الشخصية عن المشروع لدى كلّ فردٍ في الفريق، وتحافظ على تركيزهم خلال مراحل العملية المختلفة.


7- أحسن التواصل واظهر احتفالك بكل النجاحات
تواصل بشفافية وشجّع زملاءك على التواصل بشفافية. ولا تتأخر في الاحتفال بكل النجاحات الجزئيّة مهما صغرت.


8- خطّط ونفّذ التدريب إستراتيجياً
نفّذ في البداية تدريباً شاملاً معمّقاً لمن يعملون مباشرةً في تنفيذ عمليات "سيجما ستة". بعد ذلك يتم الانتقال إلى تدريب المعاونين على أسس هذه المنهجية.


عزيز المدير وصاحب العمل :


أنت، والمستثمرون معك، والعاملون إلى جانبك، وعملاؤكم أيضا تسعون بالتأكيد إلى توفّر أرفع درجةٍ ممكنة من "التوقّعيّة المنضبطة" في أداء عمليات مؤسّستك كبيرةً كانت أم صغيرة. ولتحقيق ذلك فإن أسباب الانحرافات لا بدّ من تفهّمها، وتقليصها، وإلغائها. وفي بيئةً أعمال شديدة التنافسية كالتي نعيش فيها اليوم يغدو تطبيق منهجية "سيجما ستة" من خلال تعاون وتدخّل كلّ أصحاب المصلحة أمراً حيوياً لتأهيل المؤسسة للاستمرار والازدهار في المستقبل.