الاســـم:	39-c28.jpg
المشاهدات: 20
الحجـــم:	17.1 كيلوبايت

إن الدماغ شأنه شأن بقية أعضاء الجسم ينمو بالتفكير السليم , انه كالرياضة البدنية التي تقوي العضلات و تحافظ على حيوية بقية أعضاء الجسم . فاللياقة الدماغية تأتي من خلال قدرة الشخص على استيعاب المعلومات , و فهم العلاقات ,و وضع الخطط والاستنتاجات المنطقية , وصنع القرارات للسيطرة على واقعه و الحياة . و يمكن تطوير ذلك عن طريق التعليم و استمراريته و تحفيز الفكر , و التفكر لتحديات الواقع والمستقبل . و إطلاق العنان للمفكرين دون قيد أو شرط ما دامت أفكارهم تصب في خدمة الانسان , و المجتمع و النهضة به .

و يعَرف الإنسان بأنه الكائن المفكر الوحيد من بين بقية المخلوقات . والتفكير هو ترتيب الأمور في الذهن كي يتوصل الإنسان به إلى غاية مطلوبة فيكون علما أو شكا . و هو يتنقل من التساؤل إلى التأمل و التفسير والتحليل لغاية التدبير, ومن ثم التغيير, فهو المعالجة الذهنية لما يدور في مخيلة الانسان من تصورات بقصد تحقيق هدف ما .



و إن لم يتم ذلك يصبح التفكير مجرد حالة من( الوسواس والاجترار) .كما هو الحال في المجتمعات المتخلفة ذهنيا والتي تتفشى فيها التأويلات والتفسيرات دون الوصول إلى قدرة على التغيير في أحوالها.


وبالتالي فالنتاج الفكري يخدم سيطرة العقل على ظواهر العالم وسيطرة الإنسان على نفسه و واقعه , لصناعة مستقبله و مصيره . و أي حجر على العقل يرد الإنسان إلى مستوى النشاط العصبي الانفعالي و إشباع حاجاته البيولوجية فقط من خلال التفكير المقتصر على مستوى تلبيه الحاجات الأساسية ( الطعام , و الشراب , واللباس , ومعالجة الامراض ) ,و تحقيق متطلبات الرزق . فهنا يتم تعطيل نشاط الدماغ ولا يبقى فعالا منه إلا جزءاً صغيراً وهو ما يعرف بالهايبوثالاماس ( غدة ما تحت المهاد ). وظيفته تنظيم النوم , و الجنس , و الأكل , و الانفعال ( كلها وظائف غريزية كبقية الكائنات الأخرى ) فكم من البشر يعيش في هذا الكون على مستوى الهايبوثالاماس في عالم يخلو من الاستحثاث الفكري و الحجر على المفكرين ؟! .

لقد أفل عصر اليقينيات الثابتة في الاقتصاد والعلم والصحة و السياسة والاجتماع.....الخ . فكل شيء أصبح قابل للتحول والتبديل . هناك تسارع و انعدام تأكد في كل هذه المجالات ولذلك أصبح عمر التقنيات العلمية في تناقص مستمر, فلا تكاد تنتشر تقنية ما إلا و تكون بدائلها جاهزة. ذلك أن العلم يسير بشكل متسارع فلم يعد هناك مجالاً للثوابت و القطعيات .

لقد أثبتت الدراسات العلمية أن البيئة التقليدية التي تخلو من المثيرات و المحفزات الفكرية تعمل على المدى البعيد على ترقيق القشرة الدماغية و بالتالي انحطاط الكفاءات الذهنية.( أبحاث كوتولاك) فتظهر كل نواحي قصور التفكير المنطقي البناء في صناعة القرار و حل المعضلات . و بنفس الوقت يتدفق السلوك الاندفاعي الانفعالي و المتمثل بالعنف , و بالتالي تدهور قدرات العقل على السيطرة على واقع الحياة و الجنوح تجاه اللاعقلانية , مما يشكل خطورة على كيان الإنسان والمجتمع و العيش في أدنى مستويات المجتمعات حضاريا.


وفي دراسة (كين). ثبت أن تشجيع التفكير الايجابي و تحدي معضلات الحياة بالنهج الفكري الواقعي والتحليلي ومن خلال الحوار البناء يزيد من النواقل العصبية في الدماغ ( الاندورفين و الدوبامين), وكلاهما يؤديان إلى الشعور بالحيوية والطاقة والفرح و الاستمتاع بالحياة.

و في دراسة (فيرغيس)الحديثة. وجد أن هناك ارتباطا طرديا بين الاستحثاث و التدريب الفكري في حل الأزمات و المعضلات و التحديات و تدني في نسبة حصول مرض الزهايمر. من خلال دراسته الواسعة على مدى 4-6 سنوات ذلك ان الاستحثاث الفكري يعمل على زيادة إفراز ما يعرف بهرمون نمو الخلايا العصبية ""nerve growth factor secretion . و كلما زادت اليقظة و الفاعلية الذهنية كلما زاد هرمون نمو الخلايا العصبية وبالتالي تنشيط الخلايا الدماغية و تنبيهها.

وخلق عصبونات جديدة تؤدي إلى تحسين الأداء الذهني كالذاكرة و الانتباه والقدرة على الربط والاستيعاب والتقصي واتخاذ القرارات السليمة , والمرونة العقلية . وكلما زاد نشاط الخلية زادت ارتباطاتها بالزوائد العصبية للخلايا المجاورة من خلال ما يعرف( بالتبرعم للزوائد العصبية الموصلة التشابكية) . وكل خلية عصبية دماغية واحدة لها القدرة على امتلاك ثلاثون ألفا من الزوائد الشبكية مشكلة كثافة عالية من النشاط الدماغي الكلي.

كما وجدت الدراسات الحديثة على الدماغ في ( أبحاث جانسن). أن تنشيط التفكير الايجابي سواء أن كان تحليليا أو نقديا أو تأمليا أو رياضيا يزيد من تكوين الشبكات العصبية وارتباطاتها في الدماغ ,ويزيد من خلق خلايا عصبية جديدة و من كفاءتها و شجيراتها ,مانعة أيضا من موتها و بالتالي حفظ الدماغ من الخرف الطبيعي و من مرض الزهايمر .و هناك تناسب طردي بين النشاط الفكري و تشكيل الشبكات العصبية و كفاءتها. كما وجد أن التلقين يؤدي إلى تصلب الدماغ ,و تقليص الشبكات العصبية, و تدهور كفاءة الخلايا العصبية و الذهن وبالتالي الخرف المبكر. فكم هي حالات اليأس والكآبة والقنوط و الهجرة التي يدفع ثمنها المفكرون في كثير من مجتمعاتنا العربية؟ حينما تكون مكانتهم متدنية اقتصاديا واجتماعيا ولم يعد يقام لهم وزنا . بينما يعيش في ترف الحياة و رغدها أصحاب الملكية المالية و الأرصدة و الأسهم و المكانة الاجتماعية, يحظون بكل احترام وتبجيل وهم بنفس الوقت يفكرون على مستوى ما تحت المهاد