محمد السيد عبد الرازق
يعد الموهوب ثروةً وطنيةً وكنزًا لأمته وعاملاً من عوامل نهضة مجتمعه في مجالات الحياة العلمية والمهنية والفنية، ومن ثمَّ فإنَّ استغلال قدراته استغلالاً تربويًّا يعد ضرورةً حتميةً.
وقد انفردت وزارة التربية والتعليم بالمملكة العربية السعودية مقارنة بباقي الدول العربية بإنشاء إدارة عامة للموهوبين ضمن هيكلها الإداري، وتنظيم البرامج التدريبية لأعداد كبيرة من الكوادرالتعليمية وإنشاء المراكز التي تقدم برامج تربوية إثرائية للطلبة الموهوبين في كثير من مناطق المملكة، وهي فرصة لك عزيزي الشاب، لكي تستغل هذا الاهتمام، وتتخذه سبيلاً إلى اكتشاف موهبتك، وتفجير قدراتك.
أنت موهوب، ولكن ...
الشخص الموهوب هو (الذي يُظهِر مستوى أداء مرتفع في أي مجال تقدره الجماعة؛ بما في ذلك مجالات الأدب، والقيادة الاجتماعية) [من الموهوبون ولماذا نرعاهم، محمود شكر الجبوري، ص(151)].
عزيزي الشاب، أنت موهوب بالفعل، ولكن المشكلة أنك لم تبذل جهدًا كافيًا في اكتشاف موهبتك وتطويرها، والسؤال الأهم: كيف تتمكن من اكتشاف ما حباك الله به من موهبة، ثم تعمل على تنميتها وتطويرها؟
أولاً ـ اقفز فوق الحواجز:
1. أخطاؤنا طريق نجاحنا: إن أخطر عائق نحو طريق اكتشاف الموهبة هو الخوف من الخطأ أو الفشل، فلا تستسلم لهذا الخوف المعوق، واعلم أن الفشل هو أقصر الطرق للنجاح، فكما يقول "كريسي ويتينج" مقدم برنامج "سجل النجاح"، البرنامج الأشهر بين برامج الإذاعات الأمريكية: (إن الفشل هو السبيل الوحيد للنجاح، والمثل المعروف: وراء كل عظيم امرأة، ينبغي تعديله بحيث يصبح: وراء كل عظيم سجل طويل من التجارب الفاشلة صنع له النجاح في النهاية) [حتى لا تفشل، أحمد سالم، ص(19)].
هذا لأن تجارب الفشل تضيف إلى صاحبها الخبرات اللازمة للنجاح، وتعلمه الصبر والإرادة والعزم والمثابرة، وهي أهم الصفات اللازمة لتحقيق النجاح.
2. الموهبة 99% عرق: فالسلحفاة قد سبقت الأرنب، ذلك لأن الأرنب رَكَن إلى إحساسه بسـرعته، أما السلحفاة فقد بذلت الجهد المنظم، واستغلت موهبتها الحقيقية التي كانت لدى كل العباقرة، وهي الجهد والمثابرة والعمل المنتظم، فالأمر كما قال "إديسون" المخترع الشهير: (إن العبقرية 99% عرق، وواحد بالمائة إلهام)، وكان هو ذاته يعمل لمدة 22 ساعة يوميًّا، حتى أهدى للبشرية عشرات الاختراعات المفيدة.
ثانيًا ـ اكتشف موهبتك:
إن الحقائق العلمية تؤكد أن كلاًّ منا يملك موهبة كامنة بداخله، لكنه لابد أن يبذل جهدًا في اكتشافها، ولكي تصل إلى كنزك الثمين؛ فعليك بالتالي:
1- اكتشف ميولك: فإن المجال الذي تميل إليه هو غالبًا نفس المجال الذي يكون لديك فيه الموهبة.
2- راقب درجة سرعة تعلمك: إن سرعة التعلم في مجال ما، هي علامة على قدرتك على النجاح فيه، وعلى أصالة الموهبة التي لديك في هذا المجال.
3- استشر أهل الخبرة: مثل الوالدين، والمعلمين، ومن تثق فيهم من الأصدقاء.
ثالثًا ـ عليك بالتعلم والتدريب المستمر:
فكثير من الموهوبين تذبل موهبتهم وتموت؛ لأنهم لم يصقلوها بالدراسة والتعلم والمران المستمر، فعليك بعد تحديد مجال موهبتك أن تعمل على صقلها وتطويرها، من خلال الاطلاع على الكتب الخاصة بها، والالتحاق بالدورات التدريبية في مجالها، والتعرف على بعض الشخصيات البارزة فيها، ومصاحبة بعض من يشتركون معك فيها من أجل التعاون المثمر، والتنافس النافع.
مهارة التفكير الإيجابي:
أ*. تحدث مع نفسك حديثًا إيجابيًّا:
1. إذا حدث لك شيء لا تحبه؛ فتيقن أنه مجرد أزمة عارضة عما قريب ستزول إن شاء الله، فإنه لن يغلب عسر يسرين؛ كما قال تعالى: {فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا (5) إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا} [الشرح: ٥-٦].
2. حينما تشعر أنك لن تنجح؛ فتذكر أن الله قد جعل للنجاح أسبابًا، فإذا أخذت بها وتوكلت على الله؛ فلاشك أن الله سييسر لك سبل النجاح؛ قال تعالى: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} [العنكبوت: 69].
ب*. ابحث عما استفدته من أية تجربة سلبية:
1. فكِّر في تجربة سلبية تعرضت لها في الماضي.
2. فكِّر في الدروس والمهارات التي تعلمتها من هذه التجربة.
3. تخيل أن الزمن قد أعادك مرة أخرى إلى هذه التجربة، واستخدم المهارات التي تعلمتها؛ ستجد الآن أن مشاعرك وأحاسيسك أفضل؛ لأنك استخدمت المهارات التي تعلمتها فأصبح تفكيرك إيجابيًّا.
4. تخيل أنك في المستقبل ستواجه تحديًا من نفس النوع، وتوقع تصرفك في هذا الموقف وأحاسيسك؛ ستجد أن عقلك قد صار بارعًا في التعامل مع مثل هذا النوع من التحديات.
ج. فكر إيجابيًّا قبل النوم:
اشرب قليلاً من الماء يوميًّا قبل النوم مباشرة، وخذ نفسًا عميقًا، وتخيل نفسك وأنت تحقق أحلامك وأهدافك في الحياة، تتغلب على جميع العوائق والعقبات، وكرر نفس الشيء عند استيقاظك من النوم.
والسر في ذلك أن عقلك الباطن لا يفرق بين الحقيقة والخيال، وأنت إذا أكثرت من تصور وتخيل نفسك وأنت تحقق النجاح في سعادة، وأكثرت تكرار هذه الصورة على عقلك؛ ستصير حقيقة عنده، وسيقوم بفتح جميع الملفات التي تؤيد هذه الحقيقة والتي تفيدك؛ مثل: ملف الثقة بالنفس، والعزم، والإصرار، والمثابرة.
وسائل السعادة والنجاح:
· أذية الناس لك تضرهم لا تضرك، إلا إذا وضعتها في بالك:
من الوسائل التي تعينك على طمأنينة النفس، أن تعرف أن أذية الناس بالأقوال السيئة، لا تضرك بل تضرهم، إلا إن أشغلت نفسك بالاهتمام بها، وسمحت لها أن تمتلك مشاعـرك [الوسائل المفيدة للحياة السعيدة، الشيخ السعدي، (1/12)].
· تقدير الذات:
فهو أول طريق النجاح ودرب السعادة، أن تشعر بأن الله كرَّمك في الأرض، وأسبغ عليك من النعم؛ {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آَدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً} [الإسراء: ٧٠]، وسخر لك الكون: {وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ} [الجاثية: ١٣]، فثق بنفسك، وبما أعطاك الله من نعم وملكات.
· افصل بينك وبين المشكلة:
في طريق الحياة نمر بمشاكل وعقبات، ولكن من المهم ألا يتأثر تقديرنا وقبولنا ذاتنا بوجود المشاكل والتحديات، بل يظل كما هو في أعلى صوره، مهما بلغ بك الفشل فما هو إلا حدث عابر وموقف طارئ، فتَعَلَّم منه ولا تعش في قفصه، واستبشر خيرًا بحديث النبي صلى الله عليه وسلم: (واعلم أن النصرمع الصبر، وأن الفرج مع الكرب، وأن مع العسر يسرًا)[حديث صحيح].
· الرسائل الربانية:
تعامل مع المشكلة على أنها رسالة ربانية من الله، وباب خير لما هو أفضل؛ فالله تبارك وتعالى يقول: {وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ} [البقرة: ٢١٦]، ولذا؛ نجد أنه أحيانًا يغلق الله سبحانه وتعالى أمامنا بابًا لكي يفتح لنا بابًا آخر أفضل منه، ولكن للأسف يركز الكثير منا على الباب المغلق ويدع الباب المفتوح! والذي هو: ما هو الدرس المستفاد من هذه المشكلة؟
القصص:
1- يقول المشير "مونتكمري" أبرز القادة العسكريين البريطانيين: (لقد تعلمت في حياتي الخاصة أن هناك ثلاث صفات ضرورية للنجاح: العمل الشاق، والاستقامة المطلقة، والشجاعة الأدبية) [كيف أصبحوا عظماء، د.سعد سعود الكريباني، ص(74)].
2- كان العالِم المسلم، ومؤسس علم البصريات، الحسن بن الهيثم رحمه الله، في كل كتبه يفتتحها بهذه الجملة الرائعة: (أنا ما دامت لي الحياة فإني باذل جهدي وعقلي، مستفرغ طاقتي في العلم لثلاثة أمور:
أولاً ـ إفادة من يطلب العلم في حياتي وبعد مماتي.
ثانيًا ـ ذخيرة لي في قبري ويوم حسابي.
ثالثًا ـ رفعة لسلطان المسلمين) [حياة النور، فريد مناع].
3- عن أنس رضي الله عنه قال: كان غلام يهودي يخدم النبي صلى الله عليه وسلم فمرض فأتاه النبي صلى الله عليه وسلم يعوده فقعد عند رأسه فقال له: (أسلِم)، فنظر إلى أبيه وهو عنده، فقال له: أطع أبا القاسم صلى الله عليه وسلم، فأسلم فخرج النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقول: (الحمد لله الذي أنقذه من النار) [رواه البخاري].
4- دخل الإخشيدي مع صاحب له مقيدين بالحديد، فمرا على رجل له شوي ـ أي مطعم في ذلك الزمان ـ فقال صاحبه: (أتمنى أن يشتريني صاحب هذا الشوي فأشبع لحمًا)، وقال الإخشيدي: (أتمنى أن أحكم مصر بأكملها)، ودارت الأيام واشترى صاحبُ الشوي ذلك المملوك، وحكم الإخشيدي مصر [كيف أصبحوا عظماء، د.سعد سعود الكريباني، ص(23)].