ثامناً : التوكل على الله عز وجل وتفويض الأمر إليه.
قال ابن القيم في الفوائد " فمن علم أن الله على كل شيء قدير، وأنه المُتَفَرِّدُ بالاختيار والتدبير. وأن تدبيره لعبده خير من تدبير العبد لنفسه، وأنه أعلم بمصلحة العبد من العبد وأقدر على جلبها وتحصيلها منه، وأنْصَحَ للعبد لنفسه وأرْحم به منه بنفسه، وأبرّ به منه بنفسه. وعلم مع ذلك أنه لا يستطيع أن يتقدم بين يدي تدبيره خطوة واحدة ولا يتأخر عن تدبيره له خطوة واحدة، فلا متقدم له بين يدي قضائه وقدره ولا متأخر، فألقى نفسه بين يديه وسلَّم الأمر كله إليه، وانْطرح بين يديه انطراح عبد مملوك ضعيف بين يدي ملك عزيز قاهر له التصرف في عبده بما شاء ، وليس للعبد التصرف فيه بوجه من الوجوه ، فاستراح حينئذ من الهموم والغموم والأنكاد والحسرات".
و قال ابن السعدي في الوسائل المفيدة للحياة السعيدة " فالمتوكل على الله قوي القلب لا تؤثر فيه الأوهام ، ولا تزعجه الحوادث لعلمه أن ذلك من ضعف النفس ومن الخور والخوف الذي لا حقيقة له ، ويعلم مع ذلك أن الله قد تكفَّل لمن توكَّل عليه بالكفاية التامة، فيثق بالله ويطمئن لوعده ، فيزول همه وقلقه ، ويتبدل عسره يسرا ، وتَرَحَه فرحا، وخوفه أمنا, فنسأله تعالى العافية وأن يتفضل علينا بقوة القلب وثباته بالتوكل الكامل الذي تكفل الله لأهله بكل خير، ودفع كل مكروه وضير".
تاسعاً : الحرص على ما ينفع وعدم الحزن على ما مضى.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( الْمُؤْمِنُ الْقَوِيُّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ وَفِي كُلٍّ خَيْرٌ، احْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ وَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ وَلا تَعْجَزْ، وَإِنْ أَصَابَكَ شَيْءٌ فَلا تَقُلْ لَوْ أَنِّي فَعَلْتُ كَانَ كَذَا وَكَذَا، وَلَكِنْ قُلْ قَدَرُ اللَّهِ وَمَا شَاءَ فَعَلَ، فَإِنَّ لَوْ تَفْتَحُ عَمَلَ الشَّيْطَانِ )(رواه مسلم)قد علَّق ابن السعدي في الوسائل المفيدة للحياة السعيدة على هذا الحديث فقال: " والحديث المذكور يدلّ على السعي في إزالة الأسباب الجالبة للهموم وفي تحصيل الأسباب الجالبة للسرور، وذلك بنسيان ما مضى عليه من المكاره التي لا يمكنه ردها، ومعرفته أن اشتغال فكره فيها من باب العبث والمحال ، وأن ذلك حمق وجنون ، فيجاهد قلبه عن التفكر فيها وكذلك يجاهد قلبه عن قلقه لما يستقبله ، مما يتوهمه من فقر أو خوف أو غيرهما من المكاره التي يتخيلها في مستقبل حياته فيعلم أن الأمور المستقبلة مجهول ما يقع فيها من خير وشر وآمال وآلام ، وأنها بيد العزيز الحكيم ، ليس بيد العباد منها شيء إلا السعي في تحصيل خيراتها، ودفع مضراتها، ويعلم العبد أنه إذا صرف فكره عن قلقه من أجل مستقبل أمره ، واتكل على ربه في إصلاحه ، واطمأن إليه في ذلك صلحت أحواله ، وزال عنه همه وقلقه".
عاشراً : المداومة على ذكر الله.
فإن لذلك تأثيراً عجيباً في انشراح الصدر وطمأنينته ، وزوال همه وغمه ، قال الله تعالى " (أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوب) [الرعد:28]ولهذا يشرع للمسلم أن يكون لسانه رطبا بذكر الله تعالى في كل زمان ومكان، ومن أنواع الذكر التي يجب على المسلم المحافظة عليها :
(1) أذكار الأحوال و المناسبات، كأذكار دخول البيت والخروج منه، والأكل والنوم وأذكار الصباح والمساء وأذكار ما بعد الصلوات
(2) الأذكار ذوات العدد، كالتهليل عشر مرات، ومائة مرة، وسبحان الله مائة مرة.. الخ
(3) الذكر المطلق، كسبحان الله ، والحمد لله، و لا حول و لا قوة إلا بالله.
الحادي عشر: الجهاد في سبيل الله.
كما قال عليه الصلاة والسلام : ( عَلَيْكُمْ بِالْجِهَادِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى، فَإِنَّهُ بَابٌ مِنْ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ يُذْهِبُ اللَّهُ بِهِ الْهَمَّ وَالْغَمَّ )(صحيح رواه أحمد عن أبي أمامة عن عبد الله بن الصامت رضي الله عنهما)
الثاني عشر : معرفة القيمة الوقت.
فالعاقل يعلم أن حياته قصيرة جداً ، فلا ينبغي له أن يقصرها بالهم والاسترسال مع الأكدار، فإن ذلك ضد الحياة الصحيحة ، فيشح بحياته أن يذهب كثير منها نهباً للهموم والأكدار
الثالث عشر : عدم السماح بتراكم الأعمال والواجبات.
ذكر ابن السعدي في الوسائل المفيدة بأنه " يجب حسم الأعمال في الحال والتفرغ للمستقبل ، لأن الأعمال إذا لم تُحسم اجتمع عليك بقية الأعمال السابقة ، وان ضافت إليها الأعمال اللاحقة ، فتشتد وطأتها ، فإذا حسمت كل شيء في وقته تفّرغت للأمور المستقبلة بقوة تفكير وقوة عمل. وينبغي أن تتخير من الأعمال النافعة الأهم، فالأهم ويُمَيِّز بين ما تميل نفسك إليه وتشتد رغبتك فيه، فإن ضده يحدث السآمة والملل والكدر ، واستعن على ذلك بالفكر الصحيح والمشاورة ، فما ندم من استشار ، وادرس ما تريد فعله درساً دقيقاً ، فإذا تحققت المصلحة وعزمت فتوكل على الله إن الله يحب المتوكلين ".
الرابع عشر : طلب النصح والمشورة من أهل العلم والدين.
فإن نصائحهم وآراءهم من أعظم المثبتات في المصائب، ومن أعظم ما يخفف آلام الهموم و الغموم.
الخامس عشر: اليقين بأن بعد العسر يسراً.
حسن الظن بالله وإنه سبحانه جاعل للهم فرجاً ومخرجاً وأنه كلّما استحكم الضيق وازدادت الكربة قَرُبَ الفرج والمخرج وقد قال الله تعالى في سورة الشرح {فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا }[الشَّرح: 5/6]
فذكر عسراً واحداً ويسرين، فالعسر المقترن بأل في الآية الأولى هو العسر في الآية الثانية، أما اليسر في الآية الثانية فهو يسر آخر غير الذي في الآية الأولى. وقال النبي صلى الله عليه وسلم في وصيته لابن عباس رضي الله عنهما: ( النَّصْرَ مَعَ الصَّبْرِ وَأَنَّ الْفَرَجَ مَعَ الْكَرْبِ وَأَنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً )(رواه أحمد وصححه الألباني).
السادس عشر : ومن علاجات الهموم ما يكون بالأطعمة.
روى البخاري عن عَائِشَةَ رَضِي اللَّه عَنْهَا أَنَّهَا كَانَتْ تَأْمُرُ بِالتَّلْبِينِ لِلْمَرِيضِ وَلِلْمَحْزُونِ عَلَى الْهَالِكِ وَكَانَتْ تَقُول:ُ إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول: ( إِنَّ التَّلْبِينَةَ تُجِمُّ فُؤَادَ الْمَرِيضِ وَتَذْهَبُ بِبَعْضِ الْحُزْنِ) و تُجِمَّ : أي تريح وتنشط وتزيل الهمّ والتَّلْبِينَةَ : تطبخ من دقيق الشعير ويجعل فيه عسل. قال ابن القيم في زاد المعاد: " وهذا الأمر – استغراب الناس من أن التَّلْبِينَةَ تذهب الهم - هو حق وصدق ما دام قد ثبت من طريق الوحي عن المعصوم صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، والله خلق الأطعمة وهو أعلم بخصائصها، وبالتالي فإن حساء الشعير المذكور هو من الأغذية المفرحة "
وختاماً نسأل الله تعالى أن يعافينا من الهموم وأن يفرج عنا الكروب ويزيل عنا الغموم، إنه هو السميع المجيب، وهو الحي القيوم. وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه